الخوف العاقل

مروان الحسيني

الخوف هو موقف العقل من نفسه. وهو ليس خوفاً من أي شيء آخر سوى الفكرة بأن العقل أصبح في حالة فقدان لوعيه بنفسه. وهذا ما يجعله يخاف ويغضب ويتوتر في محاولة للتشبث بحالته التي تعوّد وتبرمج عليها لسنوات وسنوات. ومهما كان مصدر الخوف وسببه فإن العقل في مواجهته سوف يهاجم نفسه أولاً.

ولا يملك العقل في هجومه على نفسه من أسلحة سوى الأفكار والمشاعر. وزخم الأفكار والمشاعر يتصاعد بتصاعد درجة الخوف نفسها. لذا فإن أفضل طريقة يواجه فيها الإنسان خوفه هي الوعي؛ أي الإدراك أن الخائف هو العقل نفسه وليس الإنسان. لا يوجد خوف متأصل داخل الإنسان، إنما هي مجرّد أفكار ومشاعر خائفة.

ثم تأتي بعد ذلك الخطوة الثانية لمواجهة الخوف، وتتمثل في أن يستقرّ الإنسان في سكون نفسه. والاستقرار في سكون النفس، بعيداً عن خوف العقل، هو سعيٌ لإدراك حقيقة هذه النفس مجرّدة من برمجيات الزمن والمجتمع والتاريخ. سكون النفس مرحلة إزاحة مهمة لما يعيقنا عن رؤيتنا لحقيقتنا.

وإدراك النفس الذي أقصده في هذا السياق يختلف تماماً عن المفاهيم الشائعة والمنتشرة مثل: فهم الذات والبحث عن الذات أو تحقيق الذات. فالخطيئة الكبرى التي يقع فيها كثيرون من “خبراء” التنمية البشرية وتنمية “الذات” هي أنهم يكررون الفكرة نفسها والنصيحة نفسها لأي شخص: “ابحث عن ذاتك”، أو “افهم ذاتك”، أو “كن أنت نفسك”، فيظل المرء مخدوعاً بهذه المفاهيم يبحث عمّا لا يستطيع إيجاده أبداً. فهذه الذات ما هي إلا فكرة متضخمة.

ومن أراد بالفعل أن يفهم وجوده عليه أن يعرف كيف يعطّل هذه “الذات” المُختلقة. الذات المُحمّلة بتواريخ طويلة من الأحمال والأثقال النفسية والشعورية والفكرية التي أنتجها البشر عبر مسيراتهم المتنوعة على هذه الأرض.

وتعطيل هذه الذات المختلقة يتم من خلال “إدراك النفس” عبر التخفف من أحمالها المؤلمة من الأفكار والمشاعر. وهي عملية بسيطة تحتاج من المرء فقط وعياً بسيطاً بوجوده في لحظته دون تعلّقٍ شديد بماضٍ أو مستقبل، ودون تشبّث غير مبرر بعالم المفاهيم والظواهر المادية. وهنالك أساليب كثيرة وبسيطة يمكن ممارستها يومياً للمحافظة على هذا الوعي بالوجود، والتخلّص من المخاوف الوهمية. أساليب لا تتطلب مجهوداً كبيراً، ويمكنني التحدّث عنها مستقبلاً في مقالات مخصصة لها.

الخوف فكرة يستعين بها العقل البشري على نفسه لكي يزيد من إحساسه بسيطرته وقوته. والسماح له بهذه السيطرة عبر الأفكار والمشاعر وتزاحمها يعزز من الخوف “العاقل” ويفاقمه إلى درجات كبيرة. ولكي نتخلص من هذا الخوف علينا أن نتشبث دائماً بوعينا المنبثق من إدراك النفس الصافية وسكونها.

18 آذار 2020

Image by DarkWorkX from Pixabay 

7 Replies to “الخوف العاقل”

Leave a comment