السيادينية… طريق الإخوان المختصرة إلى السلطة

مروان الحسيني *

          

تتلخص حبكة الفيلم الأجنبي “طريق مختصرة إلى السعادة” (2004)، والذي شاهدته مؤخراً، في ما يلي: جيبز ستون فاشل كبير. ليست لديه القدرة على بيع رواياته، يعيش في شقة فظيعة، ولا يجد نجاحاً في علاقاته بالنساء. يتعاقد ستون مع الشيطان فيبيعه روحه مقابل الحصول على النجاح. ويتم توقيع العقد السري بينهما على الفراش، فالشيطان امرأة في الفيلم. فجأة تحظى روايات ستون الرديئة بمقالات سيئة لكنها تصبح من الروايات الرائجة والأكثر مبيعاً. يصبح ستون غنياً وينجح مع النساء، ولكن لا وقت لديه يخصصه لأصدقائه الحقيقيين.

بالنسبة لي، اعتبرتُ هذا الفيلم مثالاً على فشل ذريع. فهو فيلم مباشر ويفتقر إلى التشويق، كما أنه يمكن التوقع مسبقاً بمعظم أحداثه. ورغم أنه مصنف على أنه كوميديا ودراما وفانتازيا في التصنيفات السينمائية العالمية، إلا أنني شعرت أنه قصة مملة أخرى من قصص “الواقعية السحرية” التجارية الأمريكية. لكن ما لفت انتباهي وأفكاري في هذا الفيلم هو خلاصته الأخلاقية.

إن تحقيق النجاح الظاهري بغض النظر عن الطريق التي تؤدي إليه والمحتوى الرديء الذي ينتجه هي طريق مختصرة إلى أمر آخر. وهذا درس قديم جداً ومتكرر. فلماذا يلفت انتباهي؟

من الواضح أن أكثر ما أهتم بشأنه هو الرابط بين رسالة الفيلم والسياق السياسي للعالم العربي الذي أعيش فيه. إن “واقعية سحرية” مشابهة يتم تأديتها راهناً على خشبة مسرح الشرق الأوسط.

فالدعم المتزايد الذي أضحى يتلقاه الإسلاميون والإخوان المسلمون في المنطقة، سواءً من الولايات المتحدة الأمريكية أو دوائر عربية معينة، ضمن اللعبة السياسية الدائرة حالياً، هو دراما مألوفة. فقد تلقوا عرضاً معيناً لطريق مختصرة إلى السلطة السياسية بغض النظر عن النتائج.

لقد تحوّلت السياسة الواقعية ضمن المشهد العربي بشكل سحري إلى تحالف “سياديني” (وهي كلمة نحتّها لتشير إلى تحالف براغماتي بين ممثلي الدين وممثلي السياسة، ولكي لا أستخدم تعبير السياسة الدينية الذي قد يلتبس على الكثيرين في هذا السياق). فبالنسبة إلى اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط، سواءً الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو تركيا أو إيران أو روسيا، يمثّل الربيع العربي طرقاً مختصرة إلى المزيد من الهيمنة على الرقعة العربية.

إن “أَخْوَنَة” (بفتح الألف وتسكين الخاء وفتح الواو والنون) الحكومات والأنظمة السياسية الحاكمة، أو منح الإخوان المسلمين وحدهم مقاليد القوة السياسية في العالم العربي هي محاولة مباشرة وواضحة لبيع روايات ضعيفة ذات صبغة واقعية سحرية تجارية. ففوق كل شيء، لا تتحدث هذه الروايات عن الحاجات والتطلعات الحقيقية لشعوب المنطقة. والمصلحة العامة لا ترد في البنود الرئيسية للتعاقد السري المريب المذكور فيها. كما أن لغتها ليست ذات ثراء أدبي أو فلسفي أو تعليمي أو حتى ديني.

إلى جانب ذلك، فإن السطو على سياق بأكمله من أجل فائدة ومصلحة طرف واحد أو أطراف قليلة معينة هو محاولة لمنح شرعية شعبية لهؤلاء الحكّام الجدد. فالأديان ليست في جوهرها أدوات للسيطرة السياسية. إنها بُنى للحياة والمصلحة العظمى للوجود الإنساني.

قبيل نهاية فيلم “طريق مختصرة إلى السعادة” يدرك ستون خطيئته ويحاول التملّص من تعاقده واستعادة حياته وأصدقائه الحقيقيين. ينجح في ذلك. لكنّ ذلك يحدث في عالم الخيال. أما في واقعية العالم العربي، فذلك أمر لا يمكن حدوثه.

لا أصادق على نظريات المؤامرة التي يعتقد البعض أنها وراء ما يحدث. فالربيع العربي وصل نهايته. ووحدها الطرق المختصرة التي يتراكض عبرها الجميع هي التي ستقوم بتحديد ملامح المرحلة الجديدة في سياسات الشرق الأوسط. والطرق المختصرة ليست دروباً حقيقية نحو وجود صحّي.

في لغة الكمبيوتر، الطريق المختصرة أو النسخة المكافئة (Shortcut) تفتح الملف الأصلي. أما في اللغة “السيادينية” فإن الطريق المختصرة إلى السلطة تفتح البوابات على المجهول.

* إعلامي وباحث في شؤون الأديان والثقافات

Leave a comment